ها هي المدارس على الأبواب، وها هي الأسر تستجمع قواها لتهيئة أبنائها وبناتها للمدرسة، فنسأل الله - عز وجل - أن يكون عاماً مباركاً ينهل فيه أبناؤنا من ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
وإن كان هذا الاستعداد والتهيؤ شيئاً طيباً ومطلوباً، فإن الكثير من الآباء والأمهات يغفلون عن جانب مهم وحساس في هذه الاستعدادات، جانباً قل من يستعد له أو يعيره أدنى اهتمام، أذكر ذلك من واقع تجربتي المباشرة في الميدان التربوي، هذا الجانب هو تهيئة الأبناء لمرافقة الصحبة الصالحة في مقاعد الدراسة!.
ولا حاجة للإسهاب في الأثر الكبير للرفيق على رفيقه، وحسبنا في ذلك قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة" (متفق عليه). وقوله: "مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه" (رواه أبو داود والحاكم عن أنس بن مالك وصححه الألباني)، وكما يقال: "الصاحب ساحب" و"قل لي من تصاحب أقل لك من أنت؟! ".
إنك ـ أيها المربي الفاضل ـ تحرص على تربية فلذة كبدك ـ عندما يكون عندك ـ التربية الإسلامية الصحيحة، ثم خلال ساعات قليلة قد يأتي من يهدم هذا البناء في غمضة عين؛ ومن هنا تأتي أهمية الرفقة في المدرسة؛ حتى لا تذهب جهودك سدى!.
وكما هو معلوم فإن الرفقة في المدرسة تتجدد كل عام كما تتجدد المناهج والفصول! ويتعرف الابن أو البنت على أفراد لم يكن يعرفهم من قبل، ويستحيل على الطالب أن يظل بلا رفيق في مدرسته؛ بل إن الذي يرفض الرفقة يعد انطوائياً ومستهجناً.
أيها الآباء: إني أكاد أجزم بأن الرفقة السيئة الآن تطغى على الرفقة الصالحة إلا ما رحم ربي؛ فالقنوات الفضائية الفاسدة، ومواقع الإنترنت الخبيثة، قد ملأتا البيوت بما تمطره عليها من فحش وفجور، ثم يأتي هذا الطالب المشبع بها ليجلس بجوار ابنك ليعطيه دروساً مما تعلمه فيها، واسألوا المرشدين الطلابيين عن القضايا الأخلاقية التي تقع في مدارس أبنائنا وبناتنا!.
ولكن ما دور ولي الأمر في مساعدة ابنه في اختيار الرفيق الصالح وتجنب رفيق السوء؟
إن ذلك يتمثل في إحاطته بالصالحين وافتعال مواقف معينة تجعله يندمج معهم، والثناء عليهم أمام الابن مع تجنب الفرض المباشر؛ فذلك يأتي بنتائج عكسية.. أيضاً من الوسائل النافعة: توثيق العلاقة الأسرية مع عائلة رفيق الابن في المدرسة؛ فذلك يجعل الابن يزداد تمسكا برفيقه.. أيضاً إدراج الابن في حلقات التحفيظ في مسجد الحي؛ فغالب طلاب الحلقات هم من أبناء الأسر الصالحة ولله الحمد؛ مما يجعل علاقة الابن تمتد معهم في المدرسة، والحال كذلك في دور الذكر الخاصة بالنساء.
أيضاً تعويد الابن على ارتياد المسجد للصلاة مع الجماعة؛ فمن فوائد صلاة الجماعة في المسجد ـ كما يذكر علماؤنا ـ التعرف على صالحي الحي.. وهناك الكثير من الكتب المفيدة في هذا المجال.. كما أنه يجب على ولي الأمر أن لا يسكت إذا علم بأن ابنه يصاحب رفاق السوء؛ فيحذره منهم ومن عواقب صحبتهم.. والهداية من الله أولاً وأخيراً
.